أسامة العيسة .أيلاف
عاش متنقلاً بين اليونان ومصر وفلسطين وشرق الأردن
مومياء راهب روماني تثير الإهتمام في صحراء البحر الميت
في صحراء البحر الميت، توجد ما يعتبره قسم كبير من المؤمنين المسيحيين الأرثوذكس، أسطورة حية، تعني لهم الكثير. والحديث عن مومياء لأحد الرهبان الذي تنسك في هذه الصحراء، وعلى الرغم من وفاته عام 1960، إلا أن جثته لم تتحلل، ويمكن رؤيتها في صندوق زجاجي يعرض في دير وادي القلط، أحد اشهر الأديرة الأرثوذكسية في صحراء البحر الميت. ويحمل الراهب اسم حنا الروماني، نسبة إلى بلده رومانيا التي ولد فيها عام 1913، ودخل في خدمة الكهنوت عام 1935، متنقلاً بين اليونان، ومصر، وفلسطين وشرق الأردن. وعاش متنسكًا في عدة أديرة في فلسطين، مثل دير مار سابا الذي شهد أولى الترجمات العربية للأناجيل، ودير حجلة، شرق أريحا، واستقر أخيرًا في أحد كهوف وادي القلط، الذي تحيط به الجبال العالية، ويشكل موئلاً مهمًا للطيور الجارحة. واعاد حنا الروماني، تأهيل الكهف، الذي يبدو معلقًا في الجانب الشمالي لوادي القلط، ويطلق عليه الآن (دير البنات) وتوجد فيه بقايا فسيفساء بيزنطية، والنزول إليه يكتنفه خطورة السقوط في الوادي السحيق.
ومن الفترات الحرجة في حياة حنا الروماني، اعتقاله من قبل الانتداب الإنكليزي على فلسطين، بتهمة العمل لصالح العرب في الصراع الذي كان محتدمًا بينهم وبين الحركة الصهيونية التي سعت لإنشاء دولة إسرائيل، ويحيط الغموض هذه الفترة من حياة حنا الروماني. وخلال السنوات الأخيرة من حياته، وبعد إطلاق سراحه من السجن، انتقل حنا الروماني من دير البنات، إلى كهف آخر يقع أعلى دير وادي القلط، حيث عاش فيه متنسكًا منقطعًا عن الحياة، وحتى عن رهبان الدير، الذين كانوا يضعون له الطعام في سلة، يسحبها بالحبل إلى مكانه في الكهف.
ولم ينزل حنا الروماني من كهفه، إلا بعد أن افتقده الرهبان، ولم يعد يرفع السلة التي يضعون له فيها الطعام، وعندما فحصوا الأمر تبين انه توفي، وكان ذلك عام 1960. وتم نقل جثمان الروماني إلى حيث قضى سنوات من عمره في دير البنات، وبعد عشرين عامًا، في عام 1980، فتح الرهبان قبره، ففوجئوا بعدم تحلل الجثة، واحتفاظها بصلابتها.
واعلن عن حنا الروماني كقديس، بعد إجراءات، عادة ما تتخذها الكنيسة الأرثوذكسية، ونقل الجثمان إلى كنيسة القديس يوحنا في دير القلط، حيث يعرض أمام الزوار والمؤمنين. ولوحظ أن بعض الزوار، الذي يؤمنون بأن ما حدث لحنا الروماني، هو أعجوبة ربانية، ينزعون شعرات من لحيته، يأخذونها معهم تبركًا، وهو ما جعل رهبان الدير يحيطون المومياء بصندوق زجاجي، ويغطونها برداء.
ويروي رهبان الدير الكثير عن تصرفات الزوار وافتنانهم بمومياء حنا الروماني، ولديهم الكثير من القصص التي يعتقد أصحابها، بأن تحولا في الاتجاه الإيجابي حدث لهم، ببركة القدس الروماني.
ولكن أيضًا هناك من لا يرى في قصة حنا الروماني، أي قداسة، وينقسم هؤلاء إلى قسمين، الأول من اتباع الكنائس غير الأرثوذكسية، ويتخذون موقفهم هذا لأسباب طائفية على الأغلب، أما القسم الثاني فهم الذي يعزون عدم تحلل جثة حنا الروماني، إلى أسباب علمية، وليس لأسباب دينية أو ما يعتبرونها غيبية.
ويحفز موقف القسم الأول، نزعات طائفية وقومية بين بعض المهتمين بحنا الروماني من الأرثوذكس، خصوصًا من الرهبان اليونان والرومان، الذين يعيشون في دير القلط، ومن الزوار والزائرات من هاتين الدولتين الذين يأتون إلى دير القط، مدفوعين بشغف لزيارة مومياء حنا الروماني.
وشكلت سيرة حنا الروماني، حافزًا، من ضمن عوامل أخرى، للكنيسة في رومانيا، إلى بناء دير يضم كنيستين على الأقل، ومساكن للراهبات، تابعة لها في مدينة أريحا الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن العمل في المبنى لم ينتهِ إلا انه يعتبر مأثرة عمرانية، متميزة بالأيقونات المستوحاة من العهد البيزنطي، وتذهب الراهبات بانتظام من هذا الدير، إلى دير القط، الذي لا يبعد كثيرًا عن مكان إقامتهن، لزيارة مومياء حنا الروماني، وفي مرات كثيرة يبتن، في مكان مخصص لنزل الراهبات في دير القلط الصحراوي. ولم تخف إحدى الراهبات الرومانيات التي تحدثت لمراسلنا، اعتزازها بحنا الروماني، الذي وضعت عنه مؤلفات عديدة بالرومانية واليونانية، ولغات أخرى، وتعصبها لارثوذكسيتها.
وردًا على وجهة النظر التي لا تؤمن بقدسية حنا الروماني لأسباب علمية، يقول يعقوب الأطرش وهو مسيحي فلسطيني يعمل في دير القط "لو افترضنا ان وجود جثة حنا الروماني في قبر، تساوت فيه نسبة الرطوبة مع الحرارة، فأدى إلى منع تحلله، فماذا نقول بعد أن تم نقل الجثمان إلى حيث يوجد الآن في قاعة مفتوحة ومعرضة للهواء والشمس والحرارة؟". وما بين المتحمسين، والمشككين، يثير جثمان حنا الروماني، الراهب الذي عشق صحراء البحر الميت، وترك بلاده ليعيش ويدفن في كهوفها، الفضول والاهتمام.[/size][/color]